آخر خبر

أسواق آل دقلو!

أسواق آل دقلو!

عبد القادر دقاش

 

يحكى أن امرأة كانت تغزل على خيط من نور يأتي من الجيران، وتبيع ما تغزله في السوق، لكن شيئا ما حاك في نفسها، فتساءلت، أحرام ما تفعله أم حلال؟ فذهبت إلى أحد الفقهاء وروت له قصة غزلها على نور الجيران، فسألها ممن أنت..وإلى أي بيت تنتسبين؟ فقالت: أنا بنت الحافي.. (والحافي هذا يقال، إنه لم ينتعل نعلا في طرقات المدينة، لأنه كان يخشى أن يطأ موطئا وطئه النبي صلى الله عليه وسلم ) .. فقال لها الفقيه،أما لكم فحرام! فأنتم أهل الورع.. فأعجب أحد الأدعياء بهذه القصة، فوجد تمرة في الطريق فحملها وذهب بها إلى السوق مناديا: لمن هذه التمرة؟ ثم عرج بها إلى مجلس الأمير حيث اجتماع الناس والفقهاء وهتف على رؤوسهم: لمن هذه التمرة، فإني وجدتها على قارعة الطريق..فأمر الأمير بجلده جلدا مبرحا.. ولما شكى حاله للفقهاء قال له أحدهم: لماذا لم تأكلها أو تتركها حيث وجدتها! لأن الأمير والفقيه وعامة الناس يدركون أن هذا الدعي لو وجد دينارا واحدا على قارعة الطريق ما حمله بهذا الطريقه ونادى به..فهو لم يرع من قبل إيمانا ولا أمانة.

وكثير من السودانيين من (أهل الورع) يتساءلون هل الشراء من أسواق آل دقلو حلال أم حرام..لأنهم يعلمون أن هذا المتاع لم يكن متاع (الكيزان) حتى ينادى عليه كما نادى غيلان الدمشقي في عهد عمر بن عبد العزيزإلى متاع بني أمية قائلا: ( تعالوا الى متاع الخونة، تعالوا الى متاع الظلمة).. لكنه متاع أغلب الذين كدحوا ونالوا ما نالوه بعرق الجبين والصبر والدأب.. وأسواق آل دقلو، لغير (أهل الورع) هي الأسواق التي يباع فيها متاع السودانيين المنهوب من بيوتهم من أثاث وتلفزيونات وشاشات ومكيفات وأدوات كهربائية وأواني منزلية وألحفة وملايات وملابس وأحذية وأدوات زينة ومقتنيات ثمينة مثل (الكويسات) الذهبية الخالصة والجوارب المصنوعة من الحرير الخالص، والمسك المصفى من دم الغزال والمكحلة الماسية التي استخدمتها أماني شاخيتو وغير ذلك من الأشياء التي لا يقِّدر ثمنها البائع ولا يعرف قيمتها المشتري.

وهذه الأسواق شبيهة بأسواق الحرامية التي كانت معروفة ومنتشرة في أزقة المحطة الوسطى في أم درمان و السوق الشعبي وسوق ليبيا والخرطوم، وطرقات السوق العربي وحول الجامع الكبير والاتني وفندق أراك، وسوق اللفة وسوق ستة الحاج يوسف، وسوق ستة مايو، وأسواق كثيرة في بقية المدن السودانية، فحالات السودان مستنسخة بعضها من بعض، وسميت أسواق الحرامية لاحقا بأسواق (الإخوان)، ليسوا إخوان الصفا وخلان الوفا بالطبع.. لكنهم إخوان يتفاصلون في مسروقات لا يملك حقها من يبيعها ولا يستحقها من يشتريها (وهذا ليس رأيا فقهيا بالضرورة)..

فبعض الفقهاء يجيزون التحلل، ويجيز بعضهم شراء المسروق وإن علم أن البائع سارقا ومهنبتا ومرابيا، فالشيء لا يحرم مرتين..فعليه وزره وعليك الاستمتاع به.

لكن إصرار البعض على أن السارقين هم فئات بعينها وأن المشترين هم كذلك فئات بعينها هو أمر يجانب الصواب.. فأسواق دقلو تخطت تخوم هوامش مايو والعزبة وأنقولا وانجمينا والدافوعة ورأس الشيطان إلى أسواق الجديد الثورة وحتى مسيد ود عيسى مرورا بأربجي وألتى حتى الحصاحيصا وود سلفاب وأسواق مدني الكبرى والصغرى ومن جبل الأولياء إلى ود الكريل والقطينة وحتى سليمة وأم كويكة والغبشة..

ومع ذلك فإن لصوص القاع والهامش مختلفون عن اللصوص النخبوبين اللصوص الظرفاء من ذوي الكرفتات والبدل الجميلة والأحذية اللامعة والسبح وعلامات الصلاة..

فالذي يسرق من الدولة ويأكل قوت الشعب ويجنب الأموال ويتهرب من الضرائب ويتحايل على القانون هو لص محترم..

يمكنه التحلل أو الترشح في دائرة انتخابية أو مقاسمة السلطة مع الانقلابيين..أما لصوص القاع فويل لهم مما كسبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون..

يقول محجوب شريف : حليلك بتسرق سفنجة وملاية ، وغيرك بيسرق خروف السماية، فى واحد بيسرق تصدق ولاية،  ودا أصل الحكاية وضروري النضال.

شاركها على
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.