آخر خبر

البعاتي !

البعاتي !

 

عبد القادر دقاش

 

ومما يحكى أن رجلا في قرية نائية طلق امرأته، طلاقا بائنا بينونه صغرى كما وصف الطلاق إمام مسجد القرية. وأن الرجل كان من مثقفي تلك القرية، بل هو المثقف الوحيد في القرية يحدثهم في الليالي المقمرة أحاديث كثيرة، بألفاظ ساحرة يطربون لها دون أن يفهمونها ودون أن يطالبه أي واحد منهم بالتفسير، فالتفسير قد يفسد المعنى.. وقد أفصح هذا الرجل عن سبب الطلاق بعد أن حاصره الأزواج ب(لماذا) وهو الزوج المثالي في نظرهم، وزوجته مثالية أيضا.. أفصح في رده قائلا: لا عيب في زوجتى سوى أنها امرأة ( انطوانية) ؟ لم يسأله أحد عن المعنى كما جرت عادة ممن كانوا يتحلقون حوله..فالغموض في حد ذاته جميلا وممتعا..وصار كل من يختلف مع زوجته أو يفتعل معها مشكلة يصفها بأنها امرأة انطوانية..وصارت النساء تصف بعضهن البعض عندما يختلفن في شيء، أن تقول أحداهما للأخرى، (امشي يا انطوانية)، وترد الأخرى، (انطوانية أنت يا …) ..ولربما تدافعن بالأيدى ..وغرزن الأظافر في الخدود والجيوب..فالانطوان..كلمة لا يسكت عليها، وقد تؤدى إلى الطلاق.. ومن طريف ذلك أن امرأة ذهبت مع أخرى من (الانطوانيات) لمناسبة، فأكلن ما لذ وطاب..وعندما قدم لهن الشاي..قالت مقدمة الشاي وهي بدورها انطوانية : سكرك كيف، فقالت (ويزآوت)، فلقطت الأخرى الكلمة وقالت هي الأخرى، برضو (ويزآوت)..لكنها أدركت بعدها أن (ويزآوت) هذه تعني (المساخة الواحدة دي)، فأسرت ذلك في نفسها، ولعنت (ويزآوت) و الانطوانيات.

وكثير من السودانيين يقحمون ضمن أحاديثهم العادية مصطلحات طويلة عريضة وغريبة، بالانجليزية واللاتينية ولغة الوالا والا..ولا يحق لك أن تسألهم ماذا أرادوا بهذا مثلا..وقد يأتي المصطلح بمناسبة وغير مناسبة، لأن اللفظ الساحر الرنان مطلوب في ذاته لا المعنى الذي يؤديه..لذلك نُسب لـ ( عبد الله الطيب ) ما لم يقله ولم تقله الشياطين فقد قيل إنه صدح بشعر في مجمع اللغة العربية لم يتعرف عليه أحد من أساطين العربية في القاهرة، وقيل إن ذلك الشعر يعود للغة جاهلية منقرضة..وما كان ولا ينبغي له ذلك.. لكنه المزاج السوداني في نسج الأساطير وغرائب الأمور..وكذلك نسب للمحجوب رئيس الوزراء (المثقف) أقاويل كثيرة باعتباره يتحدث بإنجليزية طليقة لا يعرفها حتى مجتمع اسكتلندا الراقي.. وقالوا إنه أقحم كلمة في خطابة أمام الأمم المتحدة، فجعل الحضور يفتشون عنها في المعاجم اللغوية..وهكذا..

ومن أشهر ما ينسب ل( عبد الله الطيب ) أنه قال، إن عاميتنا فصيحة..لذلك لم يتوان الكثيرون من السياسيين (المتأخرين) من استخدام مفردات هذه العامية وأمثالها في المحافل العامة..فقد قال أحد المحللين السياسيين لمذيع قناة الجزيرة، موجها نقده لقوى الحرية والتغيير لارتهانهم للاجنبي، قائلا: ( ديل بكاكو هني وبيبيضوا غادي..فيتجغمو بس )..فما درى المذيع بأي لسان يتحدث هذا العربي الفصيح..لكنه تجاوز ذلك.. وفي حوار –لذات القناة- مع سفير السودان لدى ليبيا، قال السفير إن حميدتي قد (هلك) وعندما قال له المذيع هل أنت متأكد من ذلك، رد عليه السفير إن كان حيا، لا بد أنه قام ( بعاتي )؟! والبعاتي لمن لا يعرفه هو ( ود أم بعلو )!

شاركها على
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.