آخر خبر

حكاية سعيد

حكاية سعيد

 

بقلم / عبد القادر دقاش 

سعيد.. اسم لم يطلق عليه كسائر الناس، أو سائر الأسماء المألوفة.

ولكن أطلق عليه ليكون سعيداً (دنيا وأخرى) كما (زعم) أبوه الذي مات بعد ولادته ببضعة أشهر، وكما (قالت) أمه التي ماتت قبل فطامه بثلاثة. تربى (سعيد) في كنف جده، ثم أهداه (جده) للشيخ الغوث، غلاماً يخدمه ويأخذ عنه الطريقة.

تعلم سعيد بعض أمور الدين، وكل أمور الدنيا. وشبَّ وقويَّ عوده في مسيد العارف بالله الجيلي الغوث.

قال له الشيخ ذات ليلة: يا المبروك، أنت لعمل الدنيا أبرع، فاخدم الناس من عمل دنياك، ولا تجعل الدنيا في قلبك. وإني مرسلك إلى الشيخ ناصر ود النعمان تعمل معه في متجره، وهو كما تعلم ليس لديه من الذرية إلا بنتاً واحدة.

طأطأ سعيد رأسه مبتسم الدواخل مصغياً إلى الشيخ، وموقناً أن هذه هي إشارة التصوف الأولى، فقد رفع يديه إلى السماء داعياً الله أن يخرجه من ضيق المسيد إلى سعة الدنيا، فأخرجه من خدمة الدراويش إلى خدمة الناس أجمعين.

استقبل الشيخ ناصر ود النعمان، سعيداً.. وأدناه وقربه إليه. وتفانى سعيد (بدوره) في خدمة ود النعمان والعناية بالمتجر، وأصبح محيطاً بكل ما يملكه ود النعمان من أملاك وأنعام، التي لم تشغله عن الذكر والعبادة. فهي في يده وليس في قلبه كما يزعم.

إلا أن الدنيا لم تبرح قلب سعيد. بالرغم من محاولاته، ودعوات الشيخ (الغوث) له بذلك. فقد

همَّ سعيد أن يتزوج بنت النعمان طمعاً في ماله وأملاكه، التي أحصاها وعدّها.

في تلك الليلة فاتح سعيد الشيخ ود النعمان قائلاً: أريدك أن تنكحني المبروكة بنت المبروك.

نظر إليه الشيخ ملياً ثم قال: لكن بنتي يا المبروك بكماء وصماء وعوراء ومقعدة.

وسعيد الذي ترعرع في سوح التصوف والمتصوفة يعرف ما يرمي إليه الشيخ ود النعمان من إشارات، ويعرف مدلولات المتصوفة. وكيف أنهم يصفون المرأة التي لا تقول لغواً، بكماء. ولا تسمع وشاية، صماء. ولا تكشف ستراً، عوراء. ولا تسير إلا لحاجتها، مقعده.

هذا ما تعلمه المبروك من أسفار المتصوفة. فهو لم ير المبروكة ، غير أنه رأى أمها (خِلسةً) في حولية الشيخ (الغوث) الكبير، امرأة حسناء كأنها من حوريات الجنة.

في تلك الليلة اجتمع الحيران من القرى البعيدة والقريبة، وحتى من فاس وبلاد الرافدين.. يباركون زواج المبروكة بنت الشيخ ود النعمان.

في ذات الليلة التي اختفى فيها الشيخ ود النعمان- بعد أن قال على رؤوس الأشهاد: (يا أهل الله ..أنا خَاتِر.. بعد أن سلمت الأمانات إلى أهلها: المبروكة ل(سعيد) .. وأم المبروكة ل(خدمة المسيد).. والأملاك ل(الحيران) .. والدنيا ما مآخدين منها شيء ..والروح عارِيَّة.. والمال عارِيَّة.. والسعيد من نزع الدنيا من قلبه)- دخل سعيد على المبروكة، فوجدها كما وصفها أبوها (الشيخ ود النعمان)… دون أي إشارات، أو مدلولات صوفية.

حكاية سعيد


اضغط هنا للانضمام لمجموعات 《سوون نيوز 》عبر الواتساب

عوده

شاركها على
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.